فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالث: ما وجه تخصيص كل آية منها بما اتبعت به؟، الرابع: ما وجه الترتيب في الآيات الثلاث وهو قوله في التنبيه أولا: {إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} وتأخير التنبيه بمثل ذلك من ذكر العذاب في قوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة...} الآية وتسيط التنبيه بقوله: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم}؟
والجواب عن الأول: أنه إنما أعيد لفظ التنبيه لتسويغ معتبرات كل منها كاف في الدلالة لمن وفق ونظير هذا ما ورد في قوله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون} ثم قال: {أمن خلق السماوات والأرض} أمن فعل كذا فهذه الدلالات التي نبهوا على الاعتبار بها نظائر الآى الواردة في آية الأنعام وأما الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المحصل لذلك فتأكيد في إيقاظ المنبه إنباء باستحكام غفلته كما يحرك النائم باليد والمفرط الغفلة باليد واللسان وشبه هذا ألا ترى وصفهم قبل هذا بقوله تعالى: {والذين كفروا بآياتنا صم وبكم في الظلمات} فذكروا أولا تذكير الصم والبكم، وإنما يذكر هؤلاء بأبلغ ما يقع به التحريك والتنبيه، ثم لما بسط الكلام وامتد الوعظ إلى الآية الأخرى قيل لهم: {قل أرأيتم} فلم يحتج إلى التأكيد، وذكروا بأمر مشاهد في كثير من الخلق فقيل لهم: {إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم} ثم لما أخذوا بكل وجهة يحصل منها الإتعاظ اتبع ذلك بذكر العذاب وسوء الجزاء لمن لم يتعظ وكررت أداة الخطاب وأكد كما يقال لمن نبه فلم ينتبه ولا أجدى عليه التذكار كيف رأيت؟ ويحرك تجريك المتمادى على غيه بتكرر الخطاب فقد حصل الجواب عن الكل.
وأما آية يونس فمنفردة ولم يتقدم قبلها ذكر صم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب وقد تقدم قبلها قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار} إلى ما بعد هذا فحصل تحريكهم وتنبيهم بما لم يبق لعده الا التذكير بعذابهم ان لم يجد ذلك عليهم فالتدريج هنا حاصل كما هناك لكن بطريقة أخرى والله أعلم بما أراد.
فصل:
واعلم أن من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب في أرأيتكم ضميرا لم يلزمه اعتراض بتعدى فعل المضمر المتضل إلى مضمره المتصل لأن ذلك جائز في باب الظن وفى فعلين من غير باب ظننت وحسبت وهما: فقدت وعدمت، وكذلك تعدى فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال المذكورة والآيات المتكلم فيها من باب الظن لأن المراد برأيت رؤية القلب فهى من الباب المستثنى وإنما الممتنع مطلقا تعدى فعل المضمر المتصل إلى ظاهره فلا اختلاف في منع هذا في كل الأفعال وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية وهو قول الجمهور فلا كلام في ذلك. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}.
إذا مَسَّكم الضُرُّ، ونَابَكُم أمرٌ فمِمَّنْ ترومون كَشْفَه؟ ومَنْ الذي تؤملون لُطْفَه؟ أمخلوقًا شرقيًا أم شخصًا غربيًا؟ أم مَلَكًا سماويًا أم عبدًا أرضيًا؟. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} الآية.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذ أتاهم عذاب من الله، أو أتتهم الساعة أخلصوا الدعاء الذي هو مخ العبادة لله وحده، ونسوا ما كانوا يشركون به. لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده جل وعلا.
ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص لله، ولم يبين هنا أيضًا إذا كشف عنهم العذاب هل يستمرون على أخلاصهم، أو يرجعون إلى كفرهم وشركهم، ولكنه بين كل ذلك في مواضع أخر.
فبين أن العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص، هو نزول الكروب التي يخاف من نزلت به الهلاك، كأن يهيج البحر عليهم وتلتطم أمواجه، ويغلب على ظنهم أنهم سيغرقون فيه إن لم يخلصوا الدعاء لله وحده، كقوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} [يونس: 22- 23]، وقوله: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} [الإسراء: 67] وقوله: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، وقوله: {قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64]، وقوله: {فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} [يونس: 23] إلى غير ذلك من الآيات.
وبين تعالى أن رجوعهم للشرك بعد أن نجاهم الله من الغرق من شدة جهلهم، وعماهم: لأنه قادر على أن يهلكهم في البر كقدرته على إهلاكهم في البحر، وقادر على أن يعيدهم في البحر مرة أخرى، ويهلكهم فيه بالغرق فجرأتهم عليه إذا وصلوا البر لا وجه لها. لأنها من جهلهم وضلالهم، وذلك في قوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلًا أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الريح فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 68- 69]. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}.
و{أرأيتكم} مكونة من استفهام وفعل، ومن ضمير وهو لفظ التاء المفتوح للمخاطب كقولك: أرأيت فلانًا وكأنك تقول له: إن كنت قد رأيته فأخبرني عنه، وعندما تقول للمخاطب ذلك فأنت تستفهم منه عن شيء رآه وأبصره وبعد ذلك تأتي بكاف الخطاب، فكأنك تقول له: أخبرني عنك، فيكون المعنى أخبروني عن أنفسكم، وهكذا تكون: {أرأيتكم} معناها: أخبروني عن حالكم إخبار من يرى. فالأمر إذن لرسول الله ليسأل المشركين أن يخبروه ماذا يفعلون عندما يصيبهم الضر أو أي شيء فوق الأسباب، هل هم يدعون اللات والعزى؟
لا، إنهم لا يستطيعون وقت الخطر الداهم أن يكذبوا على أنفسهم، إنما ينادون الله الذي لا يعلنون الإيمان به. ولو كانوا صادقين مع كفرهم لما نادوا الله، بل كان يجب أن ينادوا آلهتهم؛ لكنّهم في لحظة الخطر يقولون: يا رب كأنهم يعرفون أنه لا منقذ لهم إلا هو سبحانه. وهكذا ينكشف أمامهم كذب كفرهم وشركهم بالله. ولا أحد يغش نفسه، حتى الدجال الذي يدعي ممارسته شفاء الناس، إن أصابه مرض نجده يلجأ إلى طبيب متخصص متعلم. فلا أحد يغش نفسه، وساعة يمس الخطر ذات الإنسان نجد الحقيقة تنبع من الإنسان نفسه.
ويسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ يدعونه لحظة الخطر؟ إنهم يدعون الله. وكأنهم لا يثقون في آلهتهم. {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} [يونس: 12].
لكن ماذا يحدث عندما يعود للقلب غلظته؟ {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} [يونس: 12].
لماذا إذن يطلب من الله النجدة وقت الخطر، ولا يتبع التكليف؟ يأتي الأمر إلى الرسول ليسألهم من تدعون لحظة الخطر؟ ويأتي الجواب أيضًا من الحق سبحانه وتعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
يجوز نقل همزة حركة الاستفهام إلى لام {قُلْ}، وتُحْذَفُ الهمزةُ تخفيفاُ وهي قراءة وَرْشٍ، وهو تسهيل مُطَّرٍدٌ، و{أرأيتكم} هذه بمعنى أخبرني، ولها أحكامٌ تَخْتَصُّ بها، اضْطَرَبَتْ أقولا الناس فيها، وانتشر خلافُهُمْ، ولابد من التَّعَرُّضِ لذلك، فنقول: أرأيت إن كان البصرية، أو العلمية الباقية على معناها، أو التي إصابة الرئة كقولهم: رأيْتُ الطَّائِرَ، أي: أصَبْتُ رئَتَهُ لم يَجُزْ فيها تخفيق الهمزة التي هي عَيْنُهَا، بل تُحَقَّقُ ليس إلاَّ، أو تُسَهَّلُ بَيْنَ من غير إبدالٍ ولا حذفٍ، ولا يجوز أن تلحقها كافٌ على أنها حرف خطاب، بل إن لحقها كاف كانت ضميرًا مفعولًا أوَّل، ويكون مُطَابقًا لما يُرَادُ به تَذْكِيرٍ وتأنيثٍ، وإفراد وتثنية وجمع، وإذا اتَّصلَتْ بها تاء الخطاب لزِمَ مُطَابَقتُهَا لما يُرَادُ بها مِمَّا ذُكِرَ، ويكون ضميرًا فاعلًا، نحو: أرأيتم، أرأيتما، أرأيتما أرأيتُنَّ، ويدخلها التَّعْلِيقُ والإلْغَاءُ، وإن كانت العمليَّة التي ضُمِّنَتْ معنى أخبرني أختصَّتْ بأحكامٍ أخَرَ.
منها: أنه يجوز تَسْهِيلُ همزتها بإبدالها ألفًا، وهي مَرْويَّةٌ عن نافع من طريق ورشٍ، والنُّحاة يَسْتَضْعِفْون إبدال هذه الهمزة ألفًا، بل المشهور عندهم تَسْهِيلُهَا بَيْنَ بَيْنَ، وهي الرواية المشهورة عن نافع، لكنَّهُ قد نَقَلَ الإبدال المَحْض قُطْربٌ وغيرهُ من الللغويين قال بعضهم هذا غَلَطٌ غُلِّط عليه، أي: على نافعٍ، وسبب ذلك أنه يُؤدِّي إلى الجَمْعِ بين ساكنين، فإن الياء بعدها ساكنة.
ونقل أبو عبيد القاسم بن سلام عن أبي جعفر ونافعٍ، وغيرهما من أهل المدينة أنهم يُسْقِطُونَ الهمزة، ويَدَّعُونَ أن الألف خلفٌ منها.
قال شهاب الدين: وهذه العبارةُ تُشْعِرُ بأنَّ هذه الألف ليست بدلًا من الهمزة، بل جيءَ بها عِوَضًا عن الهمزة السَّاقِطَةِ.
وقال مَكِّيُّ بْنُ أبي طالب: وقد روي عن وَرْشٍ إبدالُ الهَمْزَةِ ألفًا؛ لأن الرِّواية عنه أنه يَمُدَّ الثانية، والمَدُّ لا يتمكن إلاَّ مع البدلِ، وحسَّنَ جوازَ البدلِ في الهمزة وبعدها سَاكِنٌ أنَّ الأوِّل حَرْفُ مدِّ ولينٍ، فإن هذا الذي يحدث مع السكون يقوم مقامَ حركةٍ يُتَوصَّلُ بها إلى النُّطْقِ بالساكن.
وقد تقدَّم شَيءٌ من هذا عند قوله: {أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6].
ومنها: أن تُحْذَفَ الهمزة التي هي عَيْنُ الكلمة، وبها قرأ الكسائي، وهي فاشية نَظْمًا ونَثْرًا فمن النظم قوله: [الرجز]
أرَيْتَ مَا جَاءَتْ بِهِ أمْلُودا ** مُرَجَّلًا وَيَلبسُ البُرُودَا

أقَائِلُنَّ أحْضِرُوا الشُّهودَا

وقال الآخر: [الطويل]
أرَيْتَكَ إذْ هُنَّا عَلَيْكَ ألَمْ تَخَف ** رَقِيبًا وَحَوْلِي مِنْ عَدُوِّكَ حُضَّرُ

وأنشد الكسائي لأبي الأسود: [المتقارب]
أرَيْتَ امْرَأ كُنْتُ لَمْ أبْلُهُ ** أتَانِي فَقَالَ: اتَّخذنِي خَلِيلًا

وزعم الفرَّاءُ أن هذه اللُّغَةَ لُغّةُ أكثر العربِ.
قال: في أرَأيْتَ لغتان ومعنيان:
أحدهما: أن يسأل الرجل: أرأيت زَيْدًا، أي: أعَلِمْتَ، فهذه مهموزة.
وثانيهما: أن تقول: أرأيت بمعنى أخْبِرْني، فهاهنا تترك الهمزة إن شِئْتَ، وهو أكثر كلام العرب بُؤمئ إلى تَرْكِ الهَمْزَةِ للفرق بين المَعْنَيَين. انتهى.
وفي كيفية حذف هذه الهمزة ثلاثة أوجه:
أحدها:- وهو الظَّاهر- أنه اسْتُثْقِلَ الجَمَعُ بين همزتين في فعلٍ اتَّصَلَ به ضَمِيرٌ، فَخَفَّفَهُ بإسقاط إحدى الهمزتَيْنِ، وكانت الثانية أولى، لأنها حصل بها الثِّقَل؛ ولأنَّ حذفها ثابِتٌ في مضارع هذا الفعل، نحو: أرى، ويرى، ونرى، وترى، ولأنَّ حذف الأولى يُخِلُّ بالتَّفَاهُمِ، إذ هي للاستفهام.
والثاني: أنه أبْدَلَ الهمزة ألِفًا، كما فعل نَافِعٌ في رواية ورش، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما وهو الألف.
والثالث: أنه أبْدَلَها ياءً، ثم سِكَّنَهَا، ثم حذفهها لالتقاء الساكنين، قاله أبو البقاء، وفيه بُعْدٌ، ثم قال: وقَرَّب ذلك فيها حَذْفُها في مُسْتَقْبَلِ هذا الفعل يعني في يرى وبابه، ورجَّحَ بعضهم مذهبَ الكسائي بأن الهَمْزَةَ قد اجترأَ عليها بالحذف، وأنشد: [الرجز]
إنْ لَمْ أقَاتِلْ فَالْبِسُونِي يُرْقُعَا

وأنشد لأبي الأسود: [الكامل]
يَا بَا المُغيرةِ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ ** فَرَّجْتُهُ بِالمَكْرِ مِنَّي وَالدَّهَا

وقولهم: وَيْلُمِّهِ.
وقوله: [البسيط]
وَيْلُمِّهَا خُلَّةً قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا ** فَجْعٌ وَوَلْعٌ وإخلافٌ وتَبْدِيلُ

وأنشد أيضًا: [الوافر]
وَمَنْ رَا مِثْلَ مَعْدَانَ بْنِ سَعْدٍ ** إذَا مَا النِّسْعُ طَالَ عَلَى المَطِيِّه

أي: ومَنْ رأى.
ومنها: أنه لا يَدْخُلُهَا تَعْلِيقٌ، ولا إلغَاءٌ؛ لأنها بمعنى أخبرني لا يُعَلَّقُ عند الجمهور.
قال سيبويه: وتقولُ: أرأيتك زَيْدًا أبو مَنْ هو؟ لا يَحْسُنُ فيه إلاَّ النَّصْبُ في زيد، الا ترى لو قلت: أرأيت أبو مَنْ أنت؟ لم يَحْسُنْ؛ لأن فيه معنى أخبرني عن زيد، وصار الاستفهامُ في موضع المفعول الثاني وقد خالف سيبويه غَيْرُهُ من النحويين، وقالوا: كثيرًا ما تُعَلَّق أرأيت وفي القرآن من ذلك كثيرٌ، واْتَدَلُّوا بهذه الآية التي نَحْنُ فيها، وبقوله: {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ} [العلق: 13، 14]، وبقوله:
أرَيْتَ مَا جَاءْتُ بِهِ أمْلُودَا

وهذا لا يرد على سيبويه، وسيأتي تأويل ذلك قريبًا.
ومنها: أنها تَلْحَقُهَا التاء فَيُلْتَزَمُ إفْرَادُهَا وتذكيرها، ويُسْتَغْنَى عن لحاقِ علامة الفُرُوعٍ بها بِلحاقِهَا بالكافِ، بخلاف التي لم تُضَمَّنْ معنى أخبرني فإنها تُطَابِقُ فيها، كما تقدَّم ما يُرادُ بها.
ومنها: أنه يلحقها كاف هي حرف خطابٍ تُطابقُ ما يُرَادُ بها من إفرادٍ وتذكير وضِدَّيهما، وهل هذه التَّاء فاعل، والكاف حرف خطاب تبيَّن أحوال التاء، كما تبينه إذا كانت ضميرًا، أو التاء حرف خطاب والكاف ضمير في موضع المفعول الأول؟
ثلاثةُ مذاهب مشهورة، الأوَّل: قول البصريين، والثاني: قول الفراء، والثالث: قول الكسائي، ولنَقْتَصِرْ على بعض أدلَّةِ كُلِّ فريق.
قال أبو علي: قولهم: أرَأيْتَكَ زَيْدًا ما فعل بفتح التاء في جميع الأحوال، فالكافُ لا يخلو أن يكون للخطاب مُجَرَّدًا، ومعنى الاسمية مَخْلُوعٌ منه، أو يكون دالًا على الاسم مع دلالتهِ على الخطابٍ، ولو كان اسْمًا لوجب أن يكُون الاسْمُ الذي بعده هو هو؛ لأن هذه الأفعال مفعولها الثَّاني هو الأوَّل في المعنى، لكنه ليس به، فتعيَّن أن يكون مَخْلُوعًا منه الاسميَّةُ، وإذا ثبت أنه للخطَابِ مُعَرى من الاسمية ثَبَت أن التاء لا تكون لِمُجرَّدِ الخطابِ، ألا ترى أنه لا ينبغي أن يَلْحَقَ الكَلِمَةُ علامتَا خطاب، كما لا يحلقها علامتا تأنيث ولا علامتَا استفهامٍ، فلمَّا لم يَجُزْ ذلك أفرِدَت التاءُ في جميع الأحْوَالِ لمَّا كان الفِعْلُ لابد من فاعلٍ، وجُعِلَ على لَفْظٍ واحد اسْتِغْنَاءً بما يَلْحَقُ الكاف، ولو لحق التاء علامةُ الفروع علامتَانِ للخطاب مما كان يَلْحَقُ التاء، وممَّا كان يلحق الكاف، فلما كان ذلك يُؤدِّي إلى ما لا نَظِيرَ له رُفِضَ، وأجْرِي على ما عليه سِائِرُ كلامهم.